بسم
الله الرحمن
الرحيم
الحمد
لله رب
العالمين
والصلاة
والسلام على
سيدنا محمد
وعلى آله و
صحبه أجمعين
سوف أقصر
الكلام في هذه
النبدة على
بعض الجوانب
الحضارية
والثقافية
التي عرفتها
الرباط في
مراحل من
تاريخها القريب
والبعيد، دون
أن أكون في
حاجة إلى أن
أتحدث عنها من
حيث هي جزء من
مغربنا
الحبيب
الجميل، أو من
حيث هي مدينة
ينعم سكانها
جميعا بالعيش
في أرجائها
الفيحاء
ويعاينون
نموها
المتزايد. فهي
في قلب كل
المواطنين،
نبض وصال حي،
ونبع حب
متدفق. وهي في
نفس زوارها
الأكارم ذات
موقع حب خاص.
ولا عجب فهي
في جيد الوطن
واسطة عقده
النضيد، بل هي
تتمتع بهذه
الوسطية على صعيد
عالمي
بموقعها بين
مختلف جهات
الكون، على حد
ما أبرز جلالة
الملك المنعم
مولانا الحسن
الثاني تغمده
الله بواسع
رحمته، يوم
عاشر أكتوبر
1985م في خطاب
افتتاح دورة
البرلمان.
و من ثم،
لم يكن بدعا
أن ترافق
التاريخ في
مسيرته
الطويلة منذ
العصر الحجري،
كما تثبت
الأدوات
وأجزاء
الجماجم
البشرية التي
اكتشفت في
منطقة
الكبيبات
بالقرب من الرباط،
والتي استنتج
الباحثون
الأثريون منها
وجود حياة
مبكرة في هذه
المدينة
مثَّلها ما أطلقوا
عليه "إنسان
الرباط".
وتعززت هذه
المرافقة
للتاريخ إثر تأسيس
شالة التي
عرفت ازدهارا
كبيرا في عهد
الفينيقيين
والرومان وفي
العصور الإسلامية
الأولى،
تمثل في
امتداد
العمران بها
إلى قصبة
الودايا
التي كانت
طوال هذه
الفترات تشكل
حصن الدفاع عن
المدينة ، قبل
أن يتخذها
المرابطون
في القرن
الخامس
الهجري
(الحادي عشر
الميلادي)
رباطا للجيوش
ومنطلقا
لحركات الجهاد،
مما تبرزه
مثلا معركة
"الزلاقة"،
التي قادها
يوسف بن
تاشفين في
الأندلس عام 479
هـ(1086م). وسيتقوى
الرباط في هذا
الخط الجهادي
على عهد الدولة
الموحدية
التي أقامها
المهدي بن
تومرت في
أوائل القرن السادس
الهجري
(الثاني عشر
الميلادي)
والتي كان لها
نصر عظيم في
وقعة "الأرك"
التي قادها
مجدد بناء
مدينة الرباط،
يعقوب
المنصور سنة 591
هـ (1194م).
ومعروف
في التاريخ أن
عبد المومن
الموحدي –
وهو الذي خلف
المهدي –
كان اختار
الإقامة
بالقصبة، بعد
أن جر إليها المياه
من "عين
غبولة" القريبة
من الرباط،
وشيد بها عدة
مؤسسات في
طليعتها داره
والمدرسة
والجامع الذي
يعتبر جامع الرباط
العتيق،
وسماها
المهدية نسبة
إلى المهدي بن
تومرت الذي
كان أمر
الموحدين
بالتشييد في
هذا الموقع من
المحيط،
مشيرا عليهم
بأن به سيفتح
الله عليهم
ويجمع كلمتهم.
وكان لابنه
يوسف بن عبد
المومن فضل
وضع تخطيط
لتلك المدينة
التي تلقى
فيها بيعة
شيوخ
الموحدين. وفي
ضوء هذا
التخطيط وسع ابنه
يعقوب
المنصور
نطاقها –
وهو بطل معركة
"الأرك"
المشار إليها
آنفا -، فجعل
لها الأسوار
والأبواب،
وبنى بها مسجد
حسان، وأطلق
عليها اسم
رباط الفتح،
تذكيرا
بإشارة
المهدي، ولأن
البناء كان من
غنائم فتوح
الأندلس، ثم
لأن تأسيسها
كان بغرض
الجهاد، وهو
ما يرمز إليه
السيفان
المنقوشان
بباب صومعة
هذا المسجد.
وإذا
كانت مدينة
الرباط بدت
وكأنها فقدت
بعض أهميتها
لتوقف حركة
الجهاد في
الأندلس إثر انهزام
الموحدين، في
موقعة
"العقاب"
بالأندلس على
عهد الناصر
عام 609 هـ (1212م)،
فإنها عرفت
انتعاشا في عهد
الدولة
المرينية،
بدءا من منتصف
القرن السابع
الهجري
(الثالث عشر
الميلادي)،
وهو العهد
الذي شهد
إقامة بعض المآثر،
كالجامع
الكبير
والمارستان
الذي كان
قبالته ومسجد
شالة
ومدرستها وأضرحتها
التي دفن بها
أشهر الملوك
المرينيين، هؤلاء
الملوك الذين
كانوا يقضون
فترة طويلة في
الرباط،
ومنها كانوا
يجهزون
الجيوش. وإلى
هذا العهد
يرجع تجديد
إجراء
المياه، وكذا
إقامة بعض
المرافق
الاجتماعية
التي مازالت
قائمة
كالحمامات
وغيرها، ومن
بينها حمام "لعلو"
وحمام
"السوق".
واستمر الوضع
إلى الدولة
السعدية التي
كان لها شرف
الانتصار في
معركة "وادي المخازن"
عام 986 هـ (1578م)،
بالقرب من
مدينة القصر الكبير
في الشمال،
وهي المعركة
التي قتل فيها
ملك البرتغال
"دون
سبستيان".
وكان لهذا الانتصار
أكبر الأثر في
إضعاف شوكة
الإمبراطورية
البرتغالية
سواء في
إفريقيا أو دول
الخليج.
وفي
أعقاب
الاضطرابات
التي عرفها
المغرب أواخر
الدولة
السعدية في
أوائل القرن
الحادي عشر
الهجري
(السابع عشر
الميلادي)،
برز بعض المجاهدين
من أمثال محمد
العياشي
ومحمد الحاج الدلائي.
وقد انطلق هذا
الأخير من الرباط
لرد العدوان
الأجنبي الذي
كان موجها بصفة
خاصة إلى مصب
أبي رقراق، في
وقت نشطت حركة
القرصنة
وأخذت هجرات
الأندلسيين
تتدفق على المدينة،
وهم الذين
قاموا
بإضافات
وترميمات في
القصبة،
وشيدوا السور
الذي يقطع سور
الموحدين،
ممتدا من باب
الحد إلى برج
سيدي مخلوف المطل
على النهر،
والموجود
قبالة فندق
"سوفيتيل".
على أن وفود
شخصيات
أندلسية إلى
الرباط، للعمل
أو الإقامة
كان مستمرا في
كل الفترات، وربما
كان من أبرز
هذه الشخصيات
أبو المطرف أحمد
بن عميرة الذي
تولى القضاء
فيها أوائل القرن
السابع
الهجري
(الثالث عشر
الميلادي)، وعبد
الله
اليابوري
الذي توفي في
بداية القرن الثامن
الهجري،
وضريحه معروف
بمقبرة "لعلو".
وإذا
كانت حركة
التاريخ لم
تتوقف في
الرباط طوال
العصور
المتعاقبة،
فإنها شهدت في
ظل الدولة
العلوية
الشريفة
ابتداء من
منتصف القرن الحادي
عشر الهجري
(السابع عشر
الميلادي) نموا
فاق كل ما
سبق، إذ شيد
المولى
الرشيد (1075 –
1082هـ = 1664 – 1672 م)
سور حديقة
الودايا،
وكذا القلعة
التي كان بها
السجن
المعروف إلى
عهد قريب بسجن
لعلو، وعززها
بالمدافع
والمعدات،
وكانت تعرف
بقصبة مولاي
رشيد. وأسس
المولى
إسماعيل (1082 – 1139
هـ = 1672 – 1727م)
المدرسة
الواقعة
بإزاء
الودايا،
وكانت مخصصة
لتكوين
الملاحين
وقادة البحر،
وأجرى مياه
عين "عتيق"
إلى الرباط،
وعين عتيق
توجد بإقليم
الصخيرات
تمارة
المجاور
للرباط والتابع
لولايته. وقوى
سيدي محمد بن
عبد الله ( 1171 – 1204
هـ = 1757 – 1790 هـ)
حامية
المدينة وزودها
بالعتاد،
وكانت تعتبر
أقوى
الحاميات المغربية
يومئذ، وأقام
بعض الأبراج
وبنى قصرا
وعدة مرافق
اجتماعية،
وشيد مساجد
ستة مازال
قائما منها
جامع "السنة"
ومسجد "أهل
فاس" ومنارة
جامع "ملينة"
الذي جدد
مؤخرا، وزاد فجعل
في القصبة بيت
ماله وبنى
دارا لسك
النقود كان
موقعها في
حومة الجزاء
الحالية (وهي
امتداد لشارع
محمد الخامس
يخترق
المدينة
القديمة). وعلى
نهجه سار
المولى
اليزيد (1204 –
.12هـ = 1792 – 1822 م)
الذي جدد بعض
أسوار
المدينة
وأبوابها استعدادا
لمواجهة ما
كان يحدق
بالبلاد من
أخطار، وكان
اتخذ الرباط
حاضرة بنى بها
قصره المعروف
بدار البحر،
وتسمى كذلك
دار الكبيبات
إضافة إلى
قبابها
الصغيرة، وهي
التي أقيم
عليها مستشفى
محمد الخامس
المعروف بالمستشفى
العسكري. وفي
عهده شهدت
مرسى المدينة
حركة ازدهار
فائقة. وهو
الذي نقل
اليهود من حي
البحيرة إلى
الملاح
الجديد
(والملاح مصطلح
يطلق على الحي
الذي يقطنه
اليهود أينما
وجد)، كذلك
اتخذها
المولى عبد
الرحمن (1238 – 1276
هـ = 1822 – 1859م)
مركزا للدفاع
وعززها بحصون
في ناحية الرباط
.. كقصبتي
بوزنيقة
والصخيرات
على طريق الدار
البيضاء. وهو
الذي أسس
المارستان
الواقع بضريح
سيدي امحمد
الغازي. وكان
ابنه المولى
الرشيد قد بنى
داخل المدينة دارا
هي التي تمثل
اليوم قسما من
مستشفى سيدي فاتح
ومدرسة
البنات
والمعهد
الموسيقى.
أما
خلفه سيدي
محمد بن عبد
الرحمن (1276 –
1290هـ = 1859 – 1873م)
فأقام بعض
المرافق
العامة، وبنى
دارا بجوار
قصر سيدي محمد
بن عبد الله حيث
القصر الملكي
العامر
بالمشور
السعيد.
وقد
شهدت المدينة
حركة نمو
وازدهار في ظل
الحسن الأول (1290 – 1311
هـ = 1859 – 1873م)
الذي قوى
إمكاناتها
الجهادية،
فشيد البرج
الكبير، وجدد
المرسى ووسع
أرصفتها وزاد
فيها عدة
مستودعات،
وأضاف زيادات
إلى القصر تمثلت
في القباب
والرياض.
إن مثل
هذه المنشآت
العمرانية
والدفاعية والتجارية
أتاحت للرباط
طابعا متفردا
زان ما كانت
اشتهرت به منذ
العصور
القديمة، من
كثرة الأجنة
والبساتين
وخصب الأراضي
الفلاحية حولها،
مما كان يعكسه
إنتاجها من
الزرع والماشية،
ومن الخضر
والفواكه ؛
إضافة إلى
ثروتها
السمكية
المتوافرة
بفضل وجودها
على ساحل
المحيط، وكذا
على ضفة نهر
أبي رقراق الذي
يفصل الرباط
عن جارتها
سلا. يزاد على
هذا ما اشتهرت
به في ميدان
الحرف التي
برز فيها معلمون
كمحمد الحجوي
والحاج عبد
السلام
اجديرة؛ ومثلها
المهارات
اليدوية
الدقيقة
كصناعة الجلد
والخزف
والخشب
والنسيج،
وخاصة ما
يتعلق منه
بالأجواخ
والزرابي،
دون نسيان فن
الطرز الحريري
الذي اشتهرت
به النساء
الرباطيات.
تلكم - بإيجاز -
ملامح تعكس
بعض جوانب
التقدم
الحضاري الذي
عرفته الرباط
على مستوى
قيادة الجهاد
والدفاع عن
الوطن، وعلى
مستوى النمو
الاقتصادي
المتمثل في
ازدهار
فلاحي، وتطور
تجاري قائم
على مبادلات
السلع مع
الدول الأجنبية
والأوربية
منها خاصة، ثم
على مستوى العلاقات
السياسية
المبنية على
التسامح والتعايش
وتبادل الود
والصداقة،
مما جعلها مقرا
للتمثيل
الدبلوماسي
الذي كان حي
"القناصل"
مركزا لممثلياته،
وفق ما يتضح
من تسميته.
ويكفي أن أذكر
من بين رجال
الدولة الذين
ذاع صيتهم في
تحمل مسؤولية
القيادة
والسفارة
والحسبة ورئاسة
البحر وأمانة
المال في ظل
الدولة
العلوية الشريفة،
عبد القادر
مرينو وعبد
الله بن عائشة
والطاهر
بناني وعبد
الله
اشكالانط
ومحمد بن
الطاهر
الزبدي
والمعطي
افلوريش
ومحمد السويسي
والطيب
الوديي
والحاج عبد
الله بن علي بركاش
وادريس
الجراري
والحاج بناصر
غنام واحمد
والزهرا
ومحمد
المريني وعبد
الخالق فرج وآخرين
كثيرين.
ولاشك أن
العنصر
البشري
المكون لسكان
الرباط عمل
على بلوغها
هذا الشأو
البعيد في
مضمار التطور
والتقدم. ففي
هذا العنصر
انصهرت منذ
التاريخ
القديم فئات
بربرية
وعربية بعضها
عريق في
المنطقة،
وبعضها وافد
من أقاليم
المغرب
المختلفة،
قبل أن يطعم
بالرافد الأندلسي
الذي طبع
المدينة منذ
الهجرة التي
حدثت أوائل
القرن الحادي
عشر الهجري
(السابع عشر
الميلادي)
بسمات متفردة
مازالت حية في
العادات
والتقاليد
وفي المأكل
والملبس
والعمارة.
ويبدو أن
هذه العوامل
وغيرها مما لا
يتسع المجال
لذكره تدخلت
لتكيف نفسية
الرباطيين
ومزاجهم،
وتحدد سلوكهم
وعلاقاتهم
فيما بينهم ومع
الآخرين، مما
أفضى بهم إلى
طبيعة يغلب
عليها الجد
والوقار، في
نزاهة
واستقامة
وأنفة وإباء
نفس، ولكن مع
سلامة صدر
وتواضع جم يصل
إلى حد نكران
الذات
والتفاني في
الغير والصدق
في معاشرته
والأمانة في
خدمته
والوفاء
الخالص له.
وقد واكب
هذا الازدهار
الحضاري تقدم
ثقافي مس
مختلف ميادين
العلم والفكر
والإبداع
الأدبي
والفني، مما
تكشفه المئات
من أسماء
الأعلام الذين
يشغلون حيزا
كبيرا في كتب
الفهارس والتراجم
والطبقات
العامة،
والذين ألفت
في التعريف
بهم مصنفات
خاصة، ككتاب
(الاغتباط
بتراجم أعلام
الرباط) لمحمد
بوجندار،
و(مجالس الانبساط
بشرح تراجم
علماء وصلحاء
الرباط) لمحمد
بن علي دينية،
و(أعلام الفكر
المعاصر
بالعدوتين)
وكذا سلسلة
(شخصيات
مغربية) لعبد
الله بن العباس
الجراري.
وللدلالة
على أن ازدهار
الحركة
العلمية في
الرباط –
كانت دائما
تتسم بالتمكن
والتفتح
والمشاركة –
يكفي أن أشير
إلى أن
مساجدها
وزواياها –
وعددها نحو
المائة أو يفوقها
– كانت تعج
بحلقات الدرس
في كل ركن من
أركانها من
الفجر إلى
العشاء، وأن
أشير من بين
رجالها الأفذاذ
إلى علي بن
امحمد
العكاري الذي
يعد أحد بناة
النهضة
العلمية في
الرباط، وهو
جد أبي الحسن
العكاري صاحب
"الفهرسة"
المشهورة، واحمد
بن عبد الله
الغربي
ويعتبر حافظ
المغرب
ومسنده، وعنه
أخذ جماعة من
علماء المغرب
والمشرق،
والقاضي عبد
الرحمن
السرايري،
والمؤرخ محمد
بن عبد السلام
الضعيف، والأديب
الشاعر صاحب
القافية
المعارضة
للشمقمقية
محمد بن
التهامي بن
عمرو،
والمصلح
امحمد بن
العربي
عاشور،
والفلكي
المعدل عبد
الرحمن بن عبد
الله لبريس،
والرياضي
محمد بن مصطفى
الدكالي الذي
اشتهر إلى
جانب تخصصه
بإتقان عدة
لغات،
والفنان محمد
الرطل الذي
عد
أعلم أهل
زمانه في
الموسيقى،
والشيخ أبي
بكر بناني
صاحب
"الطبقات"،
والقاضي أحمد
بناني،
والمقرئ
الحيسوبي
المهدي متجنوش،
وشيخي الملحون أحمد الڴندوز و
عثمان الزكي و الفنان التشكيلي محمد بن علي.
ولعلي أن أبرز
شيخي الجماعة
ابراهيم
التادلي
والمكي البطاوري،
وهما ممن
ذكروا في
مجددي المائة
الثالثة عشرة
للهجرة ( آخر
القرن التاسع
عشر الميلادي).
لهذه
المكانة
المتميزة في
شتى
المجالات، كانت
الرباط تتأهل
على امتداد
العصور، ولا
سيما في العهد
العلوي
المجيد،
لتكون قاعدة الملك.
ومن ثم لم يكن
بدعا والمغرب
يواجه منعطفا
تاريخيا
خطيرا أوائل
القرن
العشرين بفرض
الحماية عليه
(1330 هـ = 1912 م) أن
تصبح عاصمته
التي ستنطلق
منها النهضة
الحديثة التي
قادها بطل
الاستقلال
ومحرر البلاد
جلالة الملك
المغفور له
محمد الخامس (1346 – 1380
هـ = 1927 – 1961م) في
مختلف
مراحلها
وظواهرها،
بدءا من الحركة
السلفية الإصلاحية التي
ظهرت أولى
بوادرها على
يد الشيخ أبي
شعيب الدكالي
وتلاميذ
مدرسته من كتاب
وشعراء –
كمحمد اليمني
الناصري
وأخيه محمد
المكي وعبد
الله الجراري –
جندوا أقلامهم
للإصلاح ؛ بل
بدءا من عموم
النشاط التعليمي
الذي برز فيه
علماء من
أمثال محمد
المدني ابن
الحسني ومحمد
بن عبد السلام
السايح ومحمد
بن عبد السلام
الرندة، دون
إغفال المدارس
الحرة الأولى
التي أنشئت في
سنوات
العشرين،
كالمدرسة
الكتانية
والزاوية
المباركية والمدرسة
العباسية،
ودون إغفال
الثانوية
اليوسفية
كذلك وما كان
لها من دور
على صعيد
الوطن كله،
وكذا المدرسة
الغازية
ومدارس محمد
الخامس وما
إليها من
مؤسسات
التعليم
العربي الحر الذي
عرف ازدهاره
في سنوات
الأربعين.
عن ذلك
كله وفي وقت
مبكر، نشأ وعي
ثقافي جديد توسل
بأدوات جديدة
في التعبير
كان من بينها
التمثيل،
وتولد تيار
وطني غرس
بذوره الأولى
بعض شباب الرباط
يومئذ
كمحمد
اليزيدي
والحاج أحمد
بلا فريج،
وتبلور عام 1930
في حادث
الظهير
البربري الذي
انطلقت من
الرباط حركته
التي كان عبد
الله الجراري
خطيبها
وسجينها
ومبدع
شعارها
"اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به
المقادير و لا تفرق بيننا و بين إخواننا البرابر"
، ثم في
مختلف مراحل
الكفاح
الوطني الذي
شهدت العاصمة
اندلاع
مظاهراته
وتحرير
عرائضه،
وخاصة في
وقائع تقديم
وثيقة
الاستقلال في
يناير سنة 1944.
وفيها سالت
دماء شهداء
عديدين يكفي
أن أعد منهم
الشاب الصديق
احساين
والمختار
جزوليت. وتجدر
الإشارة إلى
أنه من بين
مجموع
الموقعين على
هذه الوثيقة –
وعددهم ستة
وستون – يوجد
أحد عشر
رباطيًا هم
السادة :
الحاج أحمد بلا
فريج، وأحمد
اليزيدي،
وعبد الجليل
القباج،
ومحمد
اليزيدي،
والحاج أحمد
الشرقاوي، ومحمد
الرفاعي،
والحفيان
الشرقاوي،
وعبد الله
الرجراجي،
ومحمد
الجزولي،
والمهدي بن بركة
،
والحاج عثمان
جوريو رحمهم الله .
وقد شهد
هذا الكفاح
الوطني ذروته
في ثورة الملك
والشعب التي
انبثقت
شرارتها
الأولى في رحاب
المشور
السعيد على يد
الفدائي
الأول الشهيد
علال بن عبد
الله
الذي تصدى بطعنة خنجر للسلطان المزور محمد بن عرفة ، و هو متوجه
من القصر الملكي إلى مسجد أهل فاس، في موكب رسمي لأداء صلاته الجمعية
الأولى يوم 11 سبتمبر 1953،و ذلكم على
إثر
اعتداء
الاستعمار الغاشم
على رمز الأمة
وعنوان
سيادتها
الملك محمد الخامس
ونفيه مع أسرته
الشريفة، في 20
غشت 1953م وما
أعقب هذه
الثورة من
عودة مظفرة
للملك
المجاهد إلى
قاعدة ملكه
يوم 16 نونبر 1955م،
يحمل بشرى
انتهاء عهد
الحجر والحماية
وبزوغ فجر
الاستقلال
والحرية.
وعلى
الرغم من أن
القدر لم
يمهله، فإنه
طيب الله ثراه
وضع اللبنات
الأولى لقيام
مغرب جديد،
وكان من أهمها
تأسيس جامعة
عصرية حظيت
الرباط
احتضانها
منسوبة إلى
اسمه الشريف،
الذي كان
ومازال وسيظل
خير حافز
لأداء هذه
الجامعة
رسالتها
والإشعاع بها
في الداخل والخارج،
إذ كانت
النواة
لإنشاء
الجامعات المغربية
التي وصل
عددها اليوم
إلى ست عشرة
جامعة عمومية إضافة إلى
عدد من الجامعات و المدارس
العليا الخاصة.
وتأكيدا
للدور الذي
كان للرباط في
حياة الملك
المكافح قدس
الله روحه وفي
نضاله
المستميت من
أجل تحرير
الوطن، فقد
أبى وارث سره فقيد
العروبة
والإسلام
مولانا الحسن
الثاني طيب
الله ثراه (1380 – 1420
هـ = 1961 – 1999م)
إلا أن يجعل
رفات والده
الطاهر يرقد
في ثرى هذه
المدينة التي
تضم جثمان
جديه الملكين
المنعمين
سيدي محمد بن
عبد الله
والحسن
الأول، وأن يكون
ضريحه جوار
آثار جامع
حسان، ربطا
للماضي
بالحاضر
وإبرازا لقيم
الجهاد
والفتح التي عرفها
المغرب
وعاشتها
الرباط على مر
التاريخ. وقد
جاء هذا
الضريح الذي
دفن به كذلك
جلالة الملك
الحسن الثاني
قدس الله روحه
تحفة إبداعية
أصيلة لخصت
جميع قدرات
الفنان
المغربي ومهاراته
في التشكيل
والزخرفة،
مما يجعلها بحق
معلمة الرباط
الأولى، بل
مفخرة المغرب
في هذا العصر
وكل عصر، إلى
جانب مسجد
الحسن الثاني
بالدار
البيضاء.
وإذا كان
المغرب في ظل
موحده وباني
استقلاله عرف
حركة نمو
وتطور وتقدم فاقت
كل ما سبق،
فإن عاصمته
تعكس حقيقة
هذه الحركة
بما نالها من
تخطيط وتشييد
وتوسيع وتجديد،
وبما تضم من
مرافق
ومؤسسات
تبلور فلسفة جلالة
الملك المنعم
الحسن الثاني
واختياره الديمقراطي
في تركيز
دعائم
الملكية
الدستورية،
ثم بما غدا
لها من صيت
واسع يرد صدى
ما يضطلع به
الوطن على
صعيد العروبة
والإسلام،
وعلى نطاق
العالم كله،
رغبة في تثبيت
حياة
الطمأنينة
والرفاه،
ودعوة إلى
مبادئ الأمن
والسلام.وهو
ما يسعى
مولانا أمير
المؤمنين
أيده الله ونصره
جلالة الملك
المعظم سيدي
محمد السادس،
إلى متابعته
بتطلع كبير
إلى مزيد من
التحديث والتجديد،
مع التشبث
بالأصالة
ومقومات الهوية،
تأهيلا
للمغرب كي
يكون قادرا
على معايشة
إيجابية
للعالمية
التي ستكون
عليها الألفية
الثالثة.
لهذا و
غيره ، لم يكن
غريبا أن
تختار مدينة
الرباط
"عاصمة عصرية
و مدينة
تاريخية :
تراث
للتقاسم" ، و
أن تصنف ذات "قيمة
عالمية
استثنائية" و
"تراثا
عالميا"
يعكس ثقافات
إنسانية كبرى.
و قد تم هذا
الإختيار
بإجماع أعضاء
المجلس
الدولي
للآثار و المواقع
(إيكوموس)
بمنظمة
اليونسكو،الذي
عقد اجتماعه
بسانت
بترسبورغ
(روسيا) يوم
الإثنين 12 شعبان
1433 ھ الموافق 2
يوليوز 2012 م .